الخميس، أغسطس ١٠، ٢٠٠٦

ورقـــة


ورقةٌ أنا، وأنت القلم..

تطيب لي الاستكانة تحت ألوانك وخرائطك التي تضللُ بوصلة صباحاتي.. ترسمُ أمزجة لحظاتي.. تحيل أمسياتي حفلاتٍ ملونة الشموع، يتراقص ضوؤها على أمواج لحن هامس.. تبحرُ بي إلى فضاءاتٍ لم يطأها شراعي يومًا.


خطوطُك تارة ً حادة .. تخدُشني بها، تغرقني في بحارٍ من مدادٍ مُحرق حالكِ المرارة، أظل أصارع الغرق فيه وحدي أزمانـًا عصيبة..


خطوطكَ ناعمة تارة أخرى.. تـُضمّدُني.. تنـتـشلـُني ببراعة من بحار المرارة السوداء.. تتهادى فوقي ماحية ًعني الخدوش، فيعود موضعُها إلى صفائه، وكأنْ لم يمسسهُ منكَ سوء..



تكتبُني - ذاتَ مساءٍ- قصيدة.. كما العصا السحرية تلوّنـُني سهولاً من غسق.. تفجرُني ينابيعَ من ألق.. تنثرُني بريحان برّي.. تضمخُني بأريج حلو الرحيق، لم يدغدِغ مسامي مثـلـُه يومًا..


تـُطلِقـُني -ذات عصر- طائرة في مهب الرياح.. لا تعلم لنفسها مستقرًا، ولا يطيب لها مهجعٌ وأنت مُبعدُها عنك، واقفٌ مكانك تتسلى مع أقلام أخرى برؤيتها تتخبط في سماوات ضحلة لا هي تتيح لها الانطلاق إلى الأفق الرحْب، ولا أنت تـجذبُ خيط طائرة الورق فتعيدها تحت جناحك.. تغطيها بخطوطك كيفما كانت..


أصبحَتْ تدرك - في عذوبة استكانتها كما في دوامات غرقها- أنك إنما تعبثُ لبعض الوقت بورقةٍ جديدة، جذبكَ اختلافُها عن سائر الأوراق، وأغرتك شفافيتها الناصعة بإثبات تجربتك فوقها، ثم تسطير شهادة تقدير لنفسك عليها، ترفعُها عاليًا لتريها للجميع، قبل أن تلقيها مسوّدة بحبرك.. منصرفـًا نحو أوراق أخَر..


يعذبها الإدراك عندما لا تؤازره قوة.. تتألم فتتلوّى.. تتألم فتنطوي، تكتشفُ مع الألم صورًا أخرى للتشكُل... تتألمُ فتبكي، تعرفُ مع البكاء معراجًا للنقاء، يسيلُ دمعُها مطهرًا لها من نفايات أحبارك.. تتألمُ فيُزهر الألمُ عزمًا.. تستجمع نفسها فتلـُفّ كل يومٍ شيئًا من أحد طرفيها نحو الآخر.. تمر الأيامُ ومساحاتٌ منها تتطهرُ وتلتفُ على نفسها باتجاه الطرف الآخر في دأب..

ذات يوم.. كعادتك تقبلُ شاهرًا سنـّّك في استعراضية، متأهبًا لعبثية جديدة، لتجد مكان ورقتك جسمًا اسطوانيًا شفافًا موصدًا في وجهك بإحكام..!




القــاهرة
الأربعاء 09-08-2006م


08:30 ص

ليست هناك تعليقات: