السبت، أغسطس ١٩، ٢٠٠٦

أدنى النجومِ إلى القمر


السماء: حفلٌ ليليٌ ساهر.. يتوسطُهُ البدر.. تحُفّ به النجوم.. أنتبهُ فجأةً لتلك النجمة.. إنها أقربُ النجوم إلى القمر.. ما أنا وأنت إلا كهذه النجمةِ لهذا البدر.. إذا كان معها.. ذابَ ألقُها وجمالُها في سناهُ وبهائه غيرَ أنها تكون سعيدةً بهذا.. آمنة مطمئنة مادامت في كنفه..
وإذا ما غاب عنها -وما أكثر ما يغيبُ عنها- باتت لياليها الطوال حائرةً ضائعة ترتجفُ في أفلاك السماء.. وإن بدَت تتراقصُ ساطعةً للناطرين!



الإثنين
منتصفُ ليل القاهرة
وتمامُ بدرِ شوال 1419هـ

الجمعة، أغسطس ١٨، ٢٠٠٦

خـطـــوات




لا أدري كم من الوقت ظللتُ أبحثُ عن الدفتر، حتى أضعتُ مني المداد!

فكرةٌ وحيدةٌ تسيطرُ عليّ.. مُذ فاجأتُ نفسي بقرار هبوطي من الحافلة قبل مكان وصولي ببضع مئات من الأمتار.. وكم سعدتُ - بعد دقائقَ- باستجابتي لرغبتي المفاجئة هذه، فقد كنتُ في حالةٍ مما لا علاج لهُ إلا بالسَيْر قدرَ ما يُمَكـّنـُني الوقتُ وقدماي. لستُ أدري ماذا يفعلُ بي السّيْرُ على قدميّ! وكأنني في كل خطوة أخطوها ألقي خلفي بقطعة مما يثقلُ نفسي ويُطبقُ عليها كأخطبوط.. وأظلُ أخطو وألقي ببعض حمولتي، حتى إذا أحسستُ أنني أسيرُ ولا فرق بيني وبين الفراشة سوى الجناحين.. عندها فقط أكون قد تعافيتُ تمامًا. وتعودُ نفسي ورقة بيضاء تنتظر محتوًى جديدًا يُسكب فيها حتى تترع، ثم تئن، وتكاد تزهق، فأعافيها برحلة سَيْر جديدة...
لكن يبدو أنني هذه المرة كنت أحتاج المزيد من الوقت حتى أصل إلى التعافي، فالفكرة ذاتـُها لاتزالُ تطنُ في رأسي من قبل رحلتى، وبطولها، وحتى الآن..


كم من أزمنة الحبّ الزائفة نحتاج لإنفاقه حتى نصل إلى زمن الحُب الحقيقي؟؟
أو ربما أمكنني أن أتساءل: كم من امتحانٍ بالحبّ المستحيل يجب أن نجتاز كي ننال الحب المُمكن؟
أم تـُرى كلُ أزمنة الحب مستحيلة؟ وما عداها مما يعدُه البعضُ حبًا فهو محضُ أوهام؟!
هل الحُبُ كله أسطورةٌ كبيرة نظل نتوهمها ونعيشها بمفردنا مع كل ابتسامة متجددة، أو نظرةٍ هاتفة، أو روح تشاركنا نفس الفضاءات، أو فيضِ حنان ورعايةٍ يحيطنا بهما شخصٌ ما ؟
وإن لم يكُن الحُبُ هذه الأمور مجتمعة، فما الحُبُ إذن؟؟
هل يمكن للقلب في كل مرة أن يُخفق في تفسير إشارات الحُب؟ وإذا أخفق في تفسير واحدة منها فهل يمكن أن تتآمر جميعًا ليكون لكلٍ منها دافعٌ بعيدٌ حدّ النفي عن الحب؟؟

ترى.. هل يدري أحدٌ أو يتفق معي في أن العذابَ -أحيانـًا- فكرة!؟
لا عذاب أضنى على النفس والعقل والروح سويًا من مطاردة فكرةٍ ما، والمرء يتوهم أنه مُتمكن منها ومُنتهٍ إلى حسمٍ فيها لا محالة، ثم يفاجأ بأنه بدلا من أن يمسك بكل خيوطها، قد ساقتهُ هي حتى اتسق في فلكها، تظلُ تقلبهُ شعابُها واحدًا تلو الآخر حتى تخور قواه، فتلفظهُ الأفكارُ جثة لا قدرةَ بها على الولوج مرة أخرى إلى معترك الفكر حتى لا يصرَعهُ. وهكذا يظلُ هاربًا في خوف من حلبة أفكاره، يسيرُ في دربه وقد عطل تفكيرهُ لفترة لا يعلم هو حتـّامَ تمتد، فيرتكب المزيد من الحماقات التي تضع روحه في قبضة الأخطبوط من جديد... ما أطولها من سلسلة عذاب!

غرة رجب1427هـ/ 26-07-2006
الأربعاء 11:00 م

الخميس، أغسطس ١٠، ٢٠٠٦

ورقـــة


ورقةٌ أنا، وأنت القلم..

تطيب لي الاستكانة تحت ألوانك وخرائطك التي تضللُ بوصلة صباحاتي.. ترسمُ أمزجة لحظاتي.. تحيل أمسياتي حفلاتٍ ملونة الشموع، يتراقص ضوؤها على أمواج لحن هامس.. تبحرُ بي إلى فضاءاتٍ لم يطأها شراعي يومًا.


خطوطُك تارة ً حادة .. تخدُشني بها، تغرقني في بحارٍ من مدادٍ مُحرق حالكِ المرارة، أظل أصارع الغرق فيه وحدي أزمانـًا عصيبة..


خطوطكَ ناعمة تارة أخرى.. تـُضمّدُني.. تنـتـشلـُني ببراعة من بحار المرارة السوداء.. تتهادى فوقي ماحية ًعني الخدوش، فيعود موضعُها إلى صفائه، وكأنْ لم يمسسهُ منكَ سوء..



تكتبُني - ذاتَ مساءٍ- قصيدة.. كما العصا السحرية تلوّنـُني سهولاً من غسق.. تفجرُني ينابيعَ من ألق.. تنثرُني بريحان برّي.. تضمخُني بأريج حلو الرحيق، لم يدغدِغ مسامي مثـلـُه يومًا..


تـُطلِقـُني -ذات عصر- طائرة في مهب الرياح.. لا تعلم لنفسها مستقرًا، ولا يطيب لها مهجعٌ وأنت مُبعدُها عنك، واقفٌ مكانك تتسلى مع أقلام أخرى برؤيتها تتخبط في سماوات ضحلة لا هي تتيح لها الانطلاق إلى الأفق الرحْب، ولا أنت تـجذبُ خيط طائرة الورق فتعيدها تحت جناحك.. تغطيها بخطوطك كيفما كانت..


أصبحَتْ تدرك - في عذوبة استكانتها كما في دوامات غرقها- أنك إنما تعبثُ لبعض الوقت بورقةٍ جديدة، جذبكَ اختلافُها عن سائر الأوراق، وأغرتك شفافيتها الناصعة بإثبات تجربتك فوقها، ثم تسطير شهادة تقدير لنفسك عليها، ترفعُها عاليًا لتريها للجميع، قبل أن تلقيها مسوّدة بحبرك.. منصرفـًا نحو أوراق أخَر..


يعذبها الإدراك عندما لا تؤازره قوة.. تتألم فتتلوّى.. تتألم فتنطوي، تكتشفُ مع الألم صورًا أخرى للتشكُل... تتألمُ فتبكي، تعرفُ مع البكاء معراجًا للنقاء، يسيلُ دمعُها مطهرًا لها من نفايات أحبارك.. تتألمُ فيُزهر الألمُ عزمًا.. تستجمع نفسها فتلـُفّ كل يومٍ شيئًا من أحد طرفيها نحو الآخر.. تمر الأيامُ ومساحاتٌ منها تتطهرُ وتلتفُ على نفسها باتجاه الطرف الآخر في دأب..

ذات يوم.. كعادتك تقبلُ شاهرًا سنـّّك في استعراضية، متأهبًا لعبثية جديدة، لتجد مكان ورقتك جسمًا اسطوانيًا شفافًا موصدًا في وجهك بإحكام..!




القــاهرة
الأربعاء 09-08-2006م


08:30 ص